عيادة المريض
كيفية طهارة وصلاة المريض:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فهذه رسالة مختصرة في (كيفية طهارة وصلاة المريض) أسأل الله -تعالى- أن ينفع بها، وأن بكتبها في موازين أعمالنا، إنّه سميعٌ مجيبٌ،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كيف يتطهر المريض
لقد شرع الله -سبحانه وتعالى- الطّهارة لكل صلاة، فإن رفع الحدث وإزالة النّجاسة سواءً كانت من البدن أو الثّوب
أو المكان المصلى فيه شرطان من شروط الصّلاة.
فإذا أراد المسلم الصّلاة وجب عليه أن يتوضأ الوضوء المعروف من الحدث الأصغر أو يغتسل إن كان حدثه أكبر.
ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة في حق من بال أو من أتى الغائط؛ لتتم الطّهارة والنّظافة، وفيما يلي بيان لبعض الأحكام المتعلقة بذلك:
أولًا: الاستنجاء بالماء لكل خارج من السّبيلين كالبول والغائط، وليس على من نام أو خرج منه ريح استنجاء إنما عليه الوضوء؛ لأن الاستنجاء إنما شُرع لإزالة النّجاسة ولا نجاسة ها هنا.
ثانياً: الاستجمار بالحجارة، أو ما يقوم مقامها، ولابد فيه من ثلاثة أحجار طاهرة لما ثبت عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: «ومن استجمر فليوتر» [رواه البخاري 161 ومسلم 237]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه» [رواه أبو داود 40 وحسنه الألباني]. ولنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار [رواه مسلم 262].
ولا يجوز الاستجمار بالرّوث والعظام والطّعام وكل ما له حرمة، والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة وما أشبهها كالمناديل ونحو ذلك، ثم يتبعها الماء؛ لأن الحجارة تزيل عين النّجاسة والماء يطهر المحل فيكون أبلغ.
والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنّه يطهر المحل ويزيل العين والأثر وهو أبلغ في التّنظيف، ولا يجوز الاستنجاء أو الاستجمار باليد اليمنى.
ثالثًا: وبما أن الشّريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسّهولة، فقد خفّف الله -سبحانه وتعالى- عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم؛ ليتمكنوا من عبادته -تعالى- بدون حرجٍ ولا مشقةٍ، قال -تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحجّ: 78]، وقال -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التّغابن: 16].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [روه البخاري 7288]، وقال: «إن الدّين يسر» [رواه البخاري 39].
فالمريض إذا لم يستطع التّطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر، أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه فإنّه يتيمم، وهو: أن يضرب بيديه على التّراب الطّاهر ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه، لقوله -تعالى-: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء، لقوله -صلى الله عليه وسلم- لعمار بن ياسر: «إنّما كان يكفيك أن تقول هكذا وضرب بيديه إلى الأرض. فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه» [رواه مسلم 368].
ولا يصح التّيمم إلا بنية لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكل امرىء ما نوى» [رواه البخاري 1].
ويبطل التّيمم بكل ما يبطل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدومًا.
وللمريض حالات:
1- إن كان مرضه يسيرًا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفًا، ومرضًا مخوفًا، ولا إبطاء برء، ولا زيادة ألم، ولا شيئًا فاحشًا، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوهما، أو من يمكنه استعمال الماء الدّافئ، ولا ضرر عليه فهذا لا يجوز له التّيمم؛ لأن إباحته لنفي الضّرر ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله.
2- وإن كان به مرض يخاف معه تلف النّفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النّفس، أو فوات منفعة، فهذا يجوز له التّيمم لقوله -تعالى-: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النّساء: 29].
3- وإن كان به مرضٌ لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء، جاز له التّيمم.
4- فإن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه أو ييممه شخص آخر.
5- إذا كان في بعض أعضاء الطّهارة جرح فإنّه يغسله بالماء، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحًا، فيبل يده بالماء ويمرها عليه، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضًا فإنّه يتيمم عنه.
6- إذا كان في بعض أعضائه كسر مشدود عليه خرقة أو جبس فإنه يمسح عليه بالماء بدلًا عن غسله، ولا يحتاج للتّيمم؛ لأن المسح بدلٌ عن الغسل.
7- يجوز أن يتيمم على الجدار أو على شيء آخر طاهر له غبار، فإن كان الجدار ممسوحًا بشيءٍ من غير جنس الأرض كالبويه فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار.
8- إذا لم يمكن التّيمم على الأرض أو الجدار أو شيء آخر له غبار، فلا بأس أن يوضع تراب في إناء أو منديل يتيمم منه.
9- إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارة إلى وقت الصّلاة الأخرى فإنه يُصلِّيها بالتيمم الأول، ولا يُعيد التيمم للصلاة الثّانية؛ لأنه لم يزل على طهارته، ولم يجد ما يبطلها. وإذا تيمم عن جنابة أخرى، فإنه لا يعيد التّيمم عنها إلاّ أن يحدث له جنابة أخرى ولكن يتيمم في هذه المدة عن الحدث الأصغر.
10- يجب على المريض أن يطهر بدنه من النّجاسات، فإن كان لا يستطيع صلى على حاله وصلاته صحيحه، ولا إعادة عليه.
11- يجب على المريض أن يُصلي بثياب طاهرة، فإن نجست ثيابه وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة، فإن لم يمكن صلّى على حاله وصلاته صحيحه ولا إعادة عليه.
12- يجب على المريض أن يصلي على شيءٍ طاهرٍ فإن تنجس مكانه وجب غسله أو إبداله بشيءٍ طاهرٍ أو يفرش عليه شيئًا طاهرًا فإن لم يمكن صلّى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
13- لا يجوز للمريض أن يؤخر الصّلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطّهارة، بل يتطهر بقدر ما يمكنه، ثم يصلي الصّلاة في وقتها، ولو كان على بدنه وثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عن إزالتها، قال -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التّغابن: 16].
14- إذا كان الإنسان مصابًا ببول يخرج باستمرار، فإنه لا يتوضأ لصلاة إلا بعد دخول وقتها، فيغسل فرجه، ثم يلف عليه شيئًا طاهرًا يمنع من تلوث ثيابه وبدنه، ثم يتوضأ ويصلّي، وهكذا يفعل لكل صلاة مفروضة، فإن شقَّ عليه جاز أن يجمع بين الظّهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، أما صلاة النافلة فيفعل لها ما ذكرنا إذا أراد فعلها إلا أن يكون وقت فريضة فيكفيه الوضوء للفريضة.
كيف يصلي المريض
1- يجب على المريض أن يصلّي الفريضة قائمًا ولو منحنيًا أو معتمدًا على جدار أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه.
2- فإن كان لا يستطيع القيام صلّى جالسًا، والأفضل أن يكون متربعًا في موضع القيام والرّكوع.
3- فإن كان لا يستطيع الصّلاة جالسًا، صلى على جنبه متوجهًا إلى القبلة والجنب الأيمن أفضل، فإن لم يتمكن من التّوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.
4- فإن كان لا يستطيع الصّلاة على جنبه صلى مستلقيًا، رجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلًا ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت ولا إعادة عليه.
5- يجب على المريض أن يرّكع ويسجد في صلاته، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه، ويجعل السّجود أخفض من الرّكوع فإن استطاع الرّكوع دون السّجود ركع حال الرّكوع، وأومأ بالسجود، وإن استطاع السّجود دون الرّكوع سجد حال السّجود وأومأ بالرّكوع.
6- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الرّكوع والسّجود أشار بعينه فيغمض قليلًا لركوع ويغمض تغميضًا أكثر للسّجود. وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح، ولا أعلم له أصلًا من الكتاب والسّنّة ولا من أقوال أهل العلم.
7- فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرّأس ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه والقعود بقلبه ولكل امرئٍ ما نوى.
8- وإن كان بعينه مرض فقال ثقات من علماء الطّب: إن صليت مستلقيًا أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقيًا.
9- ومتى قدر المريض في أثناء الصّلاة على ما كان عاجزًا عنه من قيامٍ أو قعودٍ أو ركوعٍ أو سجودٍٍ أو إيماءٍ انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
10- يجب على المريض أن يصلّي كل صلاة في وقتها، ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها، فإن شقّ عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظّهر والعصر وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم بحيث يقدّم العصر إلى الظّهر والعشاء إلى المغرب، وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظّهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له، أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها.
11- وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها، وجب عليه أن يصلّيها حال استيقاظه من النّوم أو حال ذكره لها ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصلّيها فيه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رقد أحدكم عن الصّلاة أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها. فإن الله يقول: {أقم الصّلاة لذكري} [طه: 14]» [رواه مسلم 684].
12- ولا يجوز ترك الصّلاة بأي حالٍ من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصّلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته فلا يجوز له ترك المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضًا ما دام عقله ثابتًا، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإذا تركها عامدًا وهو عاقلٌ مكلّفٌ يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك، لقول النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «العهد الذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» [رواه التّرمذي 2621 وقال: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» رواه التّرمذي 2616 وقال: حسن صحيح، وحسنه الألباني 28].
14- إذا كان المريض مسافرًا يُعالج في غير بلده فإنه يقصر الصّلاة الرّباعية، فيصلي الظّهر والعصر والعشاء ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواءً طالت مدة سفره أم قصرت.
هذا بعض ما يتعلق بأحوال المريض في طهارته وصلاته.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يشفي مرضى المسلمين ويكفر سيئاتهم، وأن يمنّ علينا جميعًا بالعفو والعافية في الدّنيا والآخرة إنّه جوادٌ كريمٌ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
________________
المراجع
- أحكام صلاة المريض لسماحة الشّيخ عبد العزيز بن باز.
- كيف يتطهر المريض لفضيلة الشّيخ محمد بن صالح العثيمين.
- كيف يصلي المريض لفضيلة الشّيخ محمد بن صالح العثيمين.